لماذا لم يكن المنافقون بمكة؟
لماذا لم يوجد النفاق قبل الهجرة إلى المدينة؟
لماذا لم يكن المنافقون في مكة؟
قبل الهجرة، لم يكن الناس إلا مؤمنٌ أو كافر، لم يكن هناك منافق فإن المسلمين كانوا مستضعفين، فكان من آمن آمن باطنا وظاهرا، ومن لم يؤمن فهو كافر. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وصار للمؤمنين بها عزّ وأنصار ودخل جمهور أهلها في الإسلام طوعا واختيارا: كان بينهم من أقاربهم ومن غير أقاربهم من أظهر الإسلام موافقة رهبة أو رغبة، وهو في الباطن كافر. وكان رأس هؤلاء عبد الله بن أبي ابن سلول وقد نزل فيه وفي أمثاله من المنافقين آيات. والقرآن يذكر المؤمنين والمنافقين في غير موضع كما ذكرهم في سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وسورة العنكبوت والأحزاب. وكان هؤلاء في أهل المدينة والبادية كما قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)} .
وكان في المنافقين من هو في الأصل من المشركين وفيهم من هو في الأصل من أهل الكتاب. وسورة الفتح والقتال والحديد والمجادلة والحشر والمنافقين. بل عامة السور المدنية: يذكر فيها المنافقين.
قال تعالى في سورة آل عمران: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لِإِخۡوَٰنِهِمۡ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَوۡ كَانُواْ غُزّٗى لَّوۡ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجۡعَلَ ٱللَّهُ ذَٰلِكَ حَسۡرَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡۗ وَٱللَّهُ يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ}..
وأما سورة " براءة " فأكثرها في وصف المنافقين وذمهم ولهذا سميت: الفاضحة والمبعثرة وهي نزلت عام تبوك. وكانت تبوك سنة تسع من الهجرة وكانت غزوة تبوك آخر مغازي النبي صلى الله عليه وسلم التي غزاها بنفسه. وتميز فيها من المنافقين من تميز. فذكر الله من صفاتهم ما ذكره في هذه السورة. وقد قال تعالى في سورة النور: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١)}.
و " المنافقون " هم في الظاهر مسلمون وقد كان المنافقون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يلتزمون أحكام الإسلام الظاهرة لا سيما في آخر الأمر ما لم يلتزمه كثير من المنافقين الذين من بعدهم؛ لعز الإسلام وظهوره إذ ذاك بالحجة والسيف تحقيقا لقوله تعالى {هو الذي أرسل رسولَه بالهدى ودين الحق لِيُظْهِرَهُ على الدين كله} ولهذا قال حذيفة بن اليمان: - وكان من أعلم الصحابة بصفات المنافقين وأعيانهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أسر إليه عام تبوك أسماء جماعة من المنافقين بأعيانهم فلهذا كان يقال: هو صاحب السر الذي لا يعلمه غيره. ويروى أن عمر بن الخطاب لم يكن يصلي على أحد حتى يصلي عليه حذيفة؛ لئلا يكون من المنافقين الذين نهي عن الصلاة عليهم. قال حذيفة رضي الله عنه - النفاق اليوم أكثر منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسرونه واليوم يظهرونه - وذكر البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد كلهم يخاف النفاق على نفسه وقد أخبر الله عن المنافقين أنهم يصلون ويزكون وأنه لا يقبل ذلك منهم. وقال تعالى: {إن المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسَالى يُرَاءُونَ الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}
وقد كانوا يشهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم مغازيه كما شهد عبد الله بن أبي ابن سلول وغيره من المنافقين " الغزوة " التي قال فيها عبد الله بن أبي: {لئن رجعنا إلى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلّ} . وأخبر بذلك زيد بن أرقم النبي صلى الله عليه وسلم وكذبه قوم حتى أنزل الله القرآن بتصديقه.
التعاليق