متى ظهرت الطباعة؟ وكيف انتشرت في البلاد المسلمة؟ كان النسخ قبل ظهور المطابع هو الأداة الوحيدة لتقييد العلم تخطه أيدي العلماء بأق...
متى ظهرت الطباعة؟ وكيف انتشرت في البلاد المسلمة؟
كان النسخ قبل ظهور المطابع هو الأداة الوحيدة لتقييد العلم تخطه أيدي العلماء بأقلامهم على (الورق) بأنواعه في تطوراته من الصحف والقرطاس والرق وهي من ألفاظ القرآن الكريم، وهو الجلد - والمهرق -
وهو: الصحيفة معرّب جمعه (مهارق) والكاغد - وهو اصطلاح فارسي - وكانت تستورده العرب من فارس، والورق هو الذي اكتسب الصفة بعد.
وقد عني المتقدمون ومنهم ابن النديم في الفهرست بذكر أنواع الورق فعقد لها باباً، والقلقشندي في (صبح الأعشى) ، وفي (مجلة المجمع العلمي العراقي) لعام 1385 هـ بحث حافل. وبما أنه هو الوسيلة لتقييد العلم وتداوله محرراً فإن النسخ أصبح حرفة رائجة وسوقاً نافقة. فإن المؤلف بعد أن يبذل جهداً من الوقت والتفكير والكتابة والورق والمداد يقي كتابه لديه لَقىً ليس من وسيلة لإبرازه ونشره إلا عن طريق النسخ، ولهذا انتشر في طبقات العلماء في العصور كافة من اشتهر بالنسخ من العلماء والطلاب والوراقين وخلق س واهم. وقد حفلت كتب التراجم بذكرهم وبأصحاب الخط المنسوب (أي الجميل) منهم.
فكم رأى الناظر في التراجم قولهم: ونسخ ما لا يحصى كثرة، وقول بعضهم: وكان ينسخ بأجر، أو كان يحترف النسخ، أو: كان يتقوت به أو: كانت منه بلغته أو: يتبلغ من النسخ، أو: كان ذا حظ فيه. واهتم العلماء - وبخاصة المحدثين منهم - بأمر النسخ وضبطه لتلافي
ما يقع من بلايا النسخ من أمور عظام من التصحيف والتحريف فأفردت من أجله مصنفات طوال، وقد قال بعضهم: " الناسخ ماسخ ".
والمهم هنا ذكر أمثلة النسّاخ في عصور الإسلام، فهؤلاء كتاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أفردت بأخبارهم المصنفات من أكبرها: المصباح المضيء لابن حديدة، وقد أوصلهم العراقي في ألفيته إلى (42) كاتباً. ومن الصحابة رضي الله تعالى عنهم من اشتهر بكتابة المصاحف منهم: ناجية الطفاوي، ونافع بن ظريب النوفلي وكم كان ابتهاج المسلمين في جميع الأقطار بمصحف عثمان رضي الله عنه وانظر التراتيب الإدارية . وكان لابن عمر كتب ينظر فيها قبل أن يخرج إلى الناس لكن إسناده غريب كما في: السير للذهبي ، وفيها أن مالك بن دينار (م سنة 127 هـ) من أعيان كتبة المصاحف كان من ذلك بلغته وقد استمرت الحال على هذا حتى صار ظهور المطابع فاختفت حرفة النسخ أو كادت، وبقي تدوين أصل التأليف فحسب بقلم مؤلفه ثم دفعه للمطابع فتنشر منه مئات أو آلاف النسخ في أيام قلائل. فتضعف قيمة النسخة الخطية للمؤلف إن لم يكن لا قيمة لها. فلا بد إذن من خلاصة معتصرة عن تاريخ الطباعة
يقصد بفن الطباعة الذي أحدث انقلاباً في فكر الإنسان وحياته وهو في أول نشأته: (نقش الحروف المفردة على المعادن بشكل يجعلها تجمع فتصبح كلاماً يطبع على الورق ثم تُحَل ويعاد جمعها بصيغة أخرى فتطبع كلاماً آخر ... وهكذا. ثم توضع هذه الحروف المجموعة في آلات تطبع منها نسخ كثيرة في وقت قصير.
الطباعة على هذا الأساس يرجع اختراعها تاريخاً إلى قبيل منتصف القرن الخامس عشر الميلادي وحصل خلاف في نسبة الاختراع هل هو إلى الهولنديين أم الألمان؟ لكن الذي عليه جلّ الكاتبين أن مخترع
الطباعة هو (جوتمبرج) الألماني، وأن بعض المحاولات قد سبقته. وخلاصة تاريخ هذا الاختراع أن الألماني المذكور ولد بمدينة (مينز) عام 1400 م وكان يعمل في حرف صناعية بالمشاركة. وفي عام 1444 م اتفق مع (حنا فوست) العامل في مهنة الصياغة وقد أثرى منها. وبتعاون هذين وامتداداً لحرفة الصياغة صنعا أولها من الخشب بحجم كبير ثم صنعا حروفاً ذات حجم صغير من الخشب أيضاً ثم توصلا إلى صناعتها من الرصاص كما هو سائد الآن. وكان قد انضم إلى (جوتمبرج) صانع ألماني ماهر هو (بطرس شوفير) نكن سرعان ما انفصلا لخلاف حصل بينهما. واستمر (جوتمبرج) بعمله حتى افتتح مطبعة فكان أول كتاب طبع بحروف مستقلة تجمع وتفك هو (الإنجيل) إذ طبع باللغة اللاتينية عام 1455 م بمدينة مينز. ثم انتقل فن الطباعة إلى إيطاليا عام 1467 م، ثم إلى فرنسا عام 1469 م ولقيت محاربة من الكهنوت وكفروا صاحبها، وبعدها ظهرت أول مطبعة عام 1507 م في باريس، ثم انتقلت إلى أسبانيا وانتشرت بها بعد مقاومة أيضاً.
وفي نفس العام تقريباً انتقلت إلى إنجلترا ولقيت محاربة أيضاً وظهر أول كتاب بها عام 1477م مطبوعاً باللغة الإنجليزية.
وقد بلغ من حماس النصارى لديانتهم تحويل الطباعة إلى اللغة العبرية وهي لغة الإنجيل والتوراة وفي الربع الأخير من القرن الخامس عشر الميلادي تم مع التوراة بالعبرية بإيطاليا، ثم اتجهت عنايتهم إلى نشر ديانتهم إلى العرب فكانت ثمة حروف باللغة العربية.
وفي أوائل القرن السادس عشر الميلادي وعلى وجه التحديد في عام 1514 م طبع في إيطاليا أول كتاب في اللغة العربية وهو كتاب (صلاة السواعي) ويقع في 211 صفحة. ثم طبع الزبور عام 1516م باللغات المذكورة.
وفي عام 1530 م طبع القرآن الكريم باللغة العربية لكن النسخ أعدمت خوفاً من أن تؤثر على عقائد المسيحيين.
ثم أخذت الطباعة تنتشر انتشاراً ذريعاً في أوروبا وغيرها وبعد أن كان الطَّابَع الديني يتحكم بتوجيه المطابع في إنتاجها أصبحت تتحول إلى الناحية العلمية ولم يشارف القرن السادس عشر الميلادي على الانتهاء إلا وكانت المطابع العربية منتشرة في أوروبا وغيرها وهي علمية ليس من بينها من الكتب التي تخدم الديانات الأخرى المخالفة للإسلام إلا القليل.
وما كادت الطباعة تنتشر في أوروبا إلا وقد أخذت تنتقل إلى الشرق الأوسط... وكما كانت اللغة العبرية هي أول لغة شرقية نالت عناية الطابعين ثم تلتها اللغة العربية فقد كان دخول الطباعة بهاتف اللغتين إلى بلدان المشرق على هذا الترتيب اللغة العبرية ثم اللغة العربية.
وأشهر مطابع اللغة العبرية كما يلي:
مطبعة الأستانة العبرية في استانبول أنشأها رجل يهودي اسمه اسحق جرسون وكان ذلك في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي وكان أول كتاب طبع بها هو (ملخص تاريخ اليهود ليوسيفوس) عام 1490 م. ومطبعة دير فريحا العبرية جنوب طرابلس وكانت أول مطبعة دخلت بلاد الشام وذلك في أوائل القرن السابع عشر ثم بعد ذلك دخلت الطباعة العربية بلدان الشرق وانتشرت فيه، وقد كانت حلب أول مدينة شرقية تنشأ فيها مطبعة عربية في أوائل القرن الثامن عشر الميلادي.
ثم الآستانة في العشر الثاني من القرن الثامن عشر أي في 1129 هجرية إذ صدر الترخيص من السلطان أحمد الثالث لسعيد أفندي ابن السفير محمد أفندي حلبي ويتضمن الترخيص: الإذن بطبع جميع الكتب إلا التفسير، الحديث، والفقه، والكلام، بعد أن أصدر الشيخ عبد الله أفندي فتوى بجواز ذلك. وكان أول مطبوعاتها (صحاح الجوهري) واستمرت هذه المطبعة إلى عام 1230 هـ تقريباً ولم تصدر سوى أربعة وتسعين كتاباً.
وبعد أن صدرت الفتوى بعد ذلك بجواز طبع كتب التفسير ونحوها نهضت وانتشرت مطبوعاتها لكن جلّها باللغة التركية ثم أنشئت المطبعة العربية الثالثة في: دير مرحنا إحدى قرى لبنان عام 1732 م تقريباً. ثم الرابعة حوالي عام 1751 م في بيروت. ثم جاءت المطبعة الخامسة في الشرق الأوسط وهي أول مطبعة تدخل مصر قامَ بها نابليون أثناء حملته على مصر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وكانت طبيعة منشوراتها سياسية لحملة نابليون على مصر لطبع المناشير والأوامر. ثم المطبعة الأهلية بالقاهرة سنة 1798 م.
وفي عام 1235 هـ أي 1819 م أنشأ محمد علي، المطبعة الشهيرة باسم (مطبعة بولاق) على اختلاف موسع في تاريخ إنشائها. (وبولاق اسم حي من أحياء القاهرة) ، وفي حدود 1958 م تغير هذا الاسم فصارت باسم (المطبعة الأميرية) .
وفي عام 1822 م أنشأ المراسلون الأمريكيون في مالطة (مطبعة مالطة) تحت نظارة أحمد فارس الشدياق ثم نقلها إلى بيروت عام 1834م، وفي فلسطين قامت مطبعة القدس عام 1846 م للنصارى الفرنسيين، وفي العراق قامت مطابع الجزيرة بالعراق عام 1856 م.
ثم انتشر فن الطباعة في الشرق الأوسط وبلدانه:
ففي الأردن أول مطبعة عام 1909م قامت في حيفا ثم في عمان عام 1922
وفي اليمن عرفت الطباعة فيها منذ عام 1877 م في صنعاء بأمر السلطان عبد الحميد الثاني.
وفي المملكة العربية السعودية كانت أول مطبعة في الحجاز عام 1300 هـ مطبعة تدار بالقدم في مكة حرسها الله تعالى ثم مطبعة أخرى في عام 1919 م. ولما استتب الأمر للملك عبد العزيز آل سعود أطلق على المطبعة اسم (مطبعة أم القرى) وفي عام 1937 م سميت (مطبعة الحكومة) ثم تتابع إنشاء المطابع في مدن المملكة بصفة متكاثرة وأرقى آلات الطباعة الحديثة المدهشة.
وفي البحرين كانت أول مطبعة عام 1938م باسم " مطبعة البحرين ".
وفي الكويت عام 1947 م أسست مطبعة المعرفة من قبل بعض مواطني الكويت ثم أنشأت مطبعة حكومية عام 1954 م.
وفي قطر أسست أول مطبعة عام 1956 م باسم: مطابع العروبة.
فقه النوازل، المؤلف : بكر بن عبد الله أبو زيد بن غيهب، مؤسسة الرسالة
التعاليق