-->
Kayfa - كيف Kayfa - كيف
recent

آخر الإضافات

recent
random
جاري التحميل ...
random

لماذ ندرس التاريخ ؟

لماذا ندرس التاريخ ؟
ما هي فوائد دراسة التاريخ ؟

كتب في فوائد دراسة التاريخ آلاف المقالات والأبحاث والكتب، وعدّ بعضهم أكثر من مئتي فائدة، و"لماذا ندرس التاريخ" سؤال قديم، كان ابن الأثير (ت. 630 هـ) ممن أجاب عنه في "الكامل في التاريخ" بقوله: 
ولقد رأيت جماعة ممن يدعي المعرفة والدراية ويظن بنفسه التبحر في العلم والرواية يحتقر التواريخ ويزديها ويعرض عنها ويلغيها ظنا منه أن غاية فائدتها إنما هو القصص والأخبار، ونهاية معرفتها الأحاديث والأسمار. وهذه حال من اقتصر على القشر دون اللب نظره، وأصبح مخشلبا جوهره، ومن رزقه الله طبعا سليما وهداه صراطا مستقيما علم أن فوائدها كثيرة ومنافعها الدنيوية والأخروية جمة غزيرة، وها نحن نذكر شيئا مما ظهر لنا فيها ونكل إلى قريحة الناظر فيه معرفة باقيها.
فأما فوائدها الدنيوية فمنها: أن الإنسان لا يخفى أنه يحب البقاء ويؤثر أن يكون في زمرة الأحياء فيا ليت شعري! أي فرق بين ما رآه أمس وبين ما قرأه في الكتب المتضمنة أخبار الماضين وحوادث المتقدمين؟ فإذا طالعها فكأنه عاصرهم، وإذا علمها فكأنه حاضرهم.
ومنها: أن الملوك ومن إليهم الأمر والنهي إذا وقفوا على ما فيها من سيرة أهل الجور والعدوان ورآها مدونة في الكتب يتناقلها الناس فيرويها خلف عن سلف، ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذكر وقبيح الأحدوثة وخراب البلاد وهلاك العباد وذهاب الأموال وفساد الأحوال استقبحوها وأعرضوا عنها واطرحوها. وإذا رأوا سيرة الولاة العادلين وحسنها وما يتبعهم من الذكر الجميل بعد ذهابهم، وأن بلادهم وممالكهم عمرت وأموالهم درت استحسنوا ذلك ورغبوا فيه وثابروا عليه وتركوا ما ينافيه هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصائبة التي دفعوا بها مضرات الأعداء وخلصوا بها من المهالك واستصانوا نفائس المدن وعظيم الممالك ولو لم يكن فيها غير هذا لكفى به فخرا.
ومنها ما يحصل للإنسان من التجارب والمعرفة بالحوادث وما تصير إليه عواقبها، فإنه لا يحدث أمر إلا قد تقدم هو أو نظيره فيزداد بذلك عقلا ويصبح لأن يقتدى به أهلا، ولقد أحسن القائل حيث يقول شعرا:
رأيت العقل عقلين ... فمطبوع ومسموع
فلا ينفع مسموع ... إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع
يعني بالمطبوع العقل الغريزي الذي خلقه الله تعالى للإنسان وبالمسموع ما يزداد به العقل الغريزي من التجربة وجعله عقلا ثانيا توسعا وتعظيما له، وإلا فهو زيادة في عقله الأول.
ومنها ما يتجمل به الإنسان في المجالس والمحافل من ذكر شيء من معارفها ونقل طريفة من طرائفها فترى الأسماع مصغية إليه والوجوه مقبلة عليه والقلوب متأملة مايورده ويصدره مستحسنة ما يذكره.
وأما الفوائد الأخروية: فمنها أن العاقل اللبيب إذا تفكر فيها ورأى تقلب الدنيا بأهلها وتتابع نكباتها إلى أعيان قاطنيها، وأنها سلبت نفوسه وذخائرهم وأعدمت أصاغرهم وأكابرهم فلم تبق على جليل ولا حقير ولم يسلم من نكدها غني ولا فقير، زهد فيها وأعرض عنها وأقبل على التزود للآخرة منها، ورغب في دار تنزهت عن هذه الخصائص وسلم أهلها من هذه النقائص، ولعل قائلا يقول: ما نرى ناظرا فيها زهد في الدنيا وأقبل على الآخرة ورغب في درجاتها العليا، فيا ليت شعري كم رأى هذا القائل قارئا للقرآن العزيز وهو سيد المواعظ وأفصح الكلام يطلب به اليسير من هذا الحطام فإن القلوب مولعة بحب العاجل.
ومنها التخلق بالصبر والتأسي وهما من محاسن الأخلاق فإن العاقل إذا رأى أن مصاب الدنيا لم يسلم منه نبي مكرم ولا ملك معظم بل ولا أحد من البشر علم أنه يصيبه ما أصابهم وينوبه ما نابهم.

وهل أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد
ولهذه الحكمة وردت القصص في القرآن المجيد {إنّ في ذَلكَ لَذِكْرَى لِمَن كانَ لهُ قلبٌ أو ألْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37] . فإن ظن هذا القائل أن الله سبحانه أراد بذكرها الات والأسمار فقد تمسك من أقوال الزيغ بمحكم سببها حيث قالوا: هذه {أسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} [الفرقان: 5] .
نسأل الله تعالى أن يرزقنا قلبا عقولا ولسانا صادقا ويوفقنا للسداد في القول والعمل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ويقول الصلابي : ولقد ازدادت أهمية الاعتناء بعلم التاريخ في الحقبة الأخيرة من عصرنا الحاضر ، حتى وصلت أهمية هذا العلم عند أهل زماننا، أن استُخدم كأداة لتوجيه الشعوب وتربيتها كما يريد القادة والساسة، بل استعان بهذا العلم أصحاب المذاهب الفكرية الهدامة في فلسفة مذاهبهم المادية وتدعيمها حتى أصبح هذا العلم عند الأوربيين في مكانة سامية لا يعلوها علم آخر، لذلك أصبحت نظرتهم للتاريخ نظرة تفديس وإجلال، لأنه يفسر لهم الوجود وتعليل النشأة الإنسانية والطبيعية.
فإن كان ذلك عند الغربيين، ففي حق المسلم الذب بطل العلم لخدمة دينه وعقيدته وشريعته، أوجب وأحق، لذلك على المسلم أن يعتني بدراسة التاريخ دراسة تخدم دينه، وتنشر دعوته، وتربط أمته الحاضرة بسلفها الصالح، لا أن يأخذه مجرد معلومات وحكايات، وأخبار لا تسمن ولا تغني من جوع. 
(علي الصلابي صفحات من التاريخ الإسلامي)



التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

منتقى الفوائد

2017 - 2018